صيدا (جنوب لبنان):
ادت العواصف الهوجاء التي ضربت لبنان خلال الشتاء الماضي الى الحاق اضرار في قلعة صيدا البحرية، فتهدم قسم من جدارها عند الطرف الشمالي الشرقي وبات القسم المتهدم يهدد بانفراط العقد الحجري المتصل بالقلعة اضافة الى ظهور تشققات في جدران اخرى.
ولحماية هذا المخزون الحضاري والإرث الثقافي الذي يعنون لتاريخ المدينة ويؤرخ لوقفاتها في وجه المعتدين والحملات التي طالتها في سالف الزمان حتى غدت القلعة «حارس المدينة الامين» على مر العصور والايام، سارع المهتمون الى اتخاذ تدابير والمباشرة في اجراءات تكفل ضمان عدم حصول انهيارات جديدة في المستقبل، بيد ان ما اعتقده البعض من ان ما الحقته العاصفة بالقلعة قد نال من كبريائها وهي التي لم تتعود الانحناء ولم تهن امام الموج المتكسر عند عتبتها بدا ضرباً من الوهم. فما حصل لم يفت من عضد القلعة التي استعصى ليّ ذراعها على من سولت له نفسه ذلك في السنوات الغابرة. فما هي قصة هذه القلعة؟
يشير المؤرخون والباحثون الى ان بناء قلعة صيدا البحرية يعود الى القرن الثالث عشر وعلى وجه الخصوص بين عامي 1227 ـ 1228، وقد شيدت على ايدي الصليبيين عندما احتلوا المدينة وتمركزوا بها، بحيث انتشرت آنذاك فكرة اقامة الحصون والقلاع ذوداً عن الثغور ودفاعاً عن السواحل من الحملات والهجمات المعادية.
وقد بنيت القلعة على جزيرة صخرية صغيرة على بعد 80 متراً من الشاطئ، ويعتقد المؤرخون ان القلعة، وهي عبارة عن نموذج فريد في فن العمارة، بنيت فوق معبد فينقي قديم كان مكرساً لتكريم الاله «ملكارت». والقلعة نموذج للفن المعماري في القرون الوسطى ولا سيما العمارة الصليبية والاسلامية (بعدما اضافت الفتوحات الاسلامية جوانب عمرانية على القلعة).
وكانت القلعة البحرية التي تحيط بها المياه من جوانبها كافة، تتألف في الاصل من مجموعة من الابراج المحصنة والمتصلة ببعضها عبر ممرات ومسارب ثم ما لبثت ان توسعت واضيفت اليها بعض الجدران والدعائم.
وتتألف القلعة من برج شرقي صليبي وبرج غربي اسلامي بني في عهد المماليك وفيها مسجد صغير بناه السلطان الاشرف خليل وجدده الامير فخر الدين المعني الثاني الكبير. وللقلعة صالة كبيرة تطل على البحر، كما توجد بداخلها كنيسة ينسب بناؤها الى فرسان الهيكل.
وكانت قلعة صيدا البحرية متصلة بالبر، بـ«جسر عبور» مؤلف من قسمين منفصلين ومع ادخال اضافات عليها اصبحت تتصل بالبر عبر جسر حجري يرتكز على قواعد على شكل تسع قناطر وينتهي المآل بها الى جسر خشبي كان يحرق خلال الحصار والغزوات لعزل من بداخلها وعدم تمكن الفارين من دخولها.
اما البرج الاساسي للقلعة فيبلغ طوله 27 متراً وعرضه 21 متراً، مشاد بحجارة صلبة ومتراصفة ومزخرفة، فيما الكتلة الصخرية التي يرتكز عليها باب القلعة والبرج تبعد 25 متراً عن داخل القلعة.
والقلعة تعرضت لحملات تدمير متعددة كان ابرزها الدمار الذي لحق بها عام 1840 على ايدي الاسطول البريطاني خلال حربه على ابراهيم باشا المصري، فأعيد ترميمها، كما تعرضت لاضرار عنيفة عام 1937 بفعل الانواءات والعواصف العاتية، التي حصلت يومها وقد اطاحت هذه العواصف بالجسر الذي يصل القلعة بالبر وأعيد وصله من جديد.
وتجدر الاشارة الى ان الصليبيين قد نزحوا عن القلعة عام 1291 بعد سقوط عكا وعلى الرغم من اهمية قلعة صيدا البحرية التاريخية وموقعها في البحر الا ان تحويلها الى مرفق سياحي هام والاستفادة من الموقع الذي يسحر العين ويأسر النظر وبالتالي اقامة مهرجانات داخلها ونشاطات تستقطب حركة سياحية مقيمة ووافدة لم يتم باستثناء المهرجانات التي اقيمت في الستينات، اذ استضافت حجارتها وجنباتها حفلات لمطربين لبنانيين وعرب كبار. كذلك نظمت فيها المعارض فيما يقتصر نشاط القلعة اليوم على حركة للزائرين تنشط خلال مواسم الاصطياف. ويقول احد المهتمين في الشؤون الثقافية لمدينة صيدا احمد البني ان «المسؤولين عن الثقافة لم يدركوا بعد امكانية الاستفادة من تحويل القلعة الى موقع سياحي هام ومتميز يستقطب الحركة السياحية، ولماذا لا يصار الى اقامة انشطة واستضافة فعاليات ثقافية ونشاطات فنية في القلعة او اقامة مسرح عائم». واشار البني الى «ان القلعة لو وجدت في مكان آخر من لبنان لتحولت الى مرفق سياحي هام».
واشار مدير عام الاثار في لبنان فريدريك الحسيني الى ان «مديرية الآثار مهتمة بموضوع قلعة صيدا البحرية وبالتنسيق مع بلدية صيدا وسوف نباشر العمل في دراسة الاعمال التي ستتم تحت البحر لتدعيمها بعدما تهدم الجدار الشمالي الشرقي للقلعة بفعل سقوط الركائز الاسمنتية التي كانت مثبتة على الصخر في عمق البحر نتيجة تحرك الصخر بفعل العوامل الطبيعية، وقد سقط الجزء المرمم حديثاً والخوف ان يسقط الجزء الذي فوقه ولذلك سنقوم بعملية تدعيم لتجميد الوضع على ما هو عليه».