احلام السراب
كثيرا ما يتمنى المرء امورا في متناول يده , وكثيرا ما يجد تعليلا لذلك , وكثرا ما يعتمد على الغير , وكثيرا ما ينتظر انجازا قد ياتي دون عناء على حد تفكيره , وكثيرا ما يتخيل لهذا المرء او ذاك ان الامور والانجازات والتحصيلات على مختلف الاصعده تاتي لوحدها , او ربما تاتي بدون تعب او كلل , وقد يحلم كثيرا بها اولا وثانيا يعيش فتره طويله ينتظر تحقيق حلمه , وتتعاقب الايام , وتتوالى الليالي , وتراه متمسكا باحلامه الواهيه , ومهما طالت على هذا المنوال , فنتيجتها احلام السراب , لا تحقيق لها , ولا موضوعيه فيها ولا نتائج او ثمار ايضا .
فالاحلام عديده ومتنوعه ومركبه في نفس الوقت , منها ما هو صحيح ويستند على واقع واضح وعلى ركيزه اجتماعيه , انسانيه واقتصاديه توجه صاحبها الى التفكير فيها , وتتوقع حصولها , ان كان عاجلا ام اجلا , وتحقيقها كذلك مقرون وبدون شك بالجد والكد والمثابره والعمل الدؤوب , ويمكن لهذه الاحلام ان تتحقق , وربما ينعم صاحبها بما يصبو اليه من خلالها , لانه على قدر اهل العزم تاتي العزائم .
ومن هو صاحب عزيمه واراده قويه وتخطيط سليم , ومثابره ومواكبه وتنفيذ ولو في ابسط الامور لا شك ان احلامه تكون احلاما واقعيه , وقد تتحقق يوما من الايام وتكون بعيده كليا عن السراب .
واذا تعمقنا اكثر في مجال الاحلام , لوجدنا كثيرين ممن يعيشون في احلام اليقظه , ولا يدرون انهم لا يملكون شيئا على ارض الواقع سوى معيشتهم في اوضاع وهميه لا تقودهم الا الى السراب الذي هو لا شيء .
وقد يقع نفر من هؤلاء في مآزق اقتصاديه اجتماعيه وغيرها من جراء هذا التصرف , حيث ان الخيال والتمني والتوقع , والعيش في مثل هذه الاحوال لا يجدي نفعا , ولا يعود باي فائده تذكر , وما يمكن جنيه منها فقط هو الفشل , وخيبة الامل التي جاءت بالطبع نتيجة للوهم والخيال الذي يقوم نفر من الناس بنسجه لانفسهم دون ان يفكروا قليلا , او دون ان يدركو مدى مصداقية ما يقومون به , فلو قيموا انفسهم تماما كما هي , على حجمها الصحيح , لما وصلوا الى كل هذا , ولما خابت آمالهم , ولما فشلو في حياتهم مرة تلو الاخرى , ويبقون على حالهم سنين وسنين , وقد تتردى احوالهم عاما بعد عام بفضل ما تصنع اياديهم .
وهناك نفر من الناس , يرتكز في اعماله وبرامجه على دراسه عميقه , على تخطيط سليم , يستمد من واقع حجمه الصحيح دون مبالغه , ويواكب خطوات عمله مواكبه اكيده ومتواصله , وقد يقيم الاعمال من قتره , وبعزيمه لا كلل فيها ولا ملل , وباراده لا تعرف الحدود , هذا النوع من البشر تكون احلامه حقيقيه , لو حلم الى العلياء , والى الرقي والتقدم والتطور , من خلال النظره الموضوعيه لقدراته وامكانياته ونشاطه المقرون بصدق العزيمه وحسن النوايا , فلا بد الا ان تتحقق آماله او على الاقل بعضها , فلا تكون احلام سراب خاويه خاليه لا تنطوي على اي شيء قد ينفع صاحبها ويفيد المجتمع .
لذا , هنا ينبغي على بني البشر الا يبالغوا في تصوير انفسهم وتخمينها عاليا , والا يعيشو في الاوهام , لان المرء مهما كذب , ومهما احتال في حياته , ومهما سلك دروبا غير مالوفه , فلا بد له الوقوع , وكل ما بناه من احلام ما هي الا احلام السراب , لا تعود عليه ولا باْي شيء يذكر سوى العكس .
فهيا نستقر جميعا بالادراك السليم , والتقييم الصحيح لانفسنا اولا , وكذلك بالعيش في الواقع وليس في غير الواقع ثانيا , لان في ذلك ضمان للمستقبل , ولتحقيق بعض من الاحلام التي تراود كل امرء وفي مواضيع شتى .
مع جزيل الشكر والاحترام
تحياتي ...
من واقع الحياه لنجيب صعب